على مدى واحد وعشرين شهرًا من الحرب الإسرائيلية الإبادة على غزة، ارتفعت الأصوات في أنحاء العالم تندد بانهيار القانون الدولي وتلاشي النظام القائم على القواعد. وتكشف السياسات الإسرائيلية المُعلَنة الآن، بلا مواربة، عن جرائم حرب تُرتكب علنًا بعد أن زال غطاء التظاهر بالامتثال للقانون الدولي.

وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، أعلن خطة لنقل الفلسطينيين قسرًا إلى معسكر داخل أنقاض رفح. من يدخل المعسكر لا يغادره، ما يحوّله فعليًّا إلى معسكر اعتقال، وفق التعريف: مركز يُحتجز فيه أفراد جماعة قومية أو أقليات دينية أو معارضون سياسيون، بقرار عسكري وتحت ذريعة أمنية أو عقابية. المحامي الحقوقي الإسرائيلي مايكل سفارد وصف الخطة بأنها "خطة عملياتية لجريمة ضد الإنسانية". مئات قُتلوا وآلاف جُرحوا أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء.

محاولات الفهم لمعاناة الفلسطينيين في غزة تصطدم بتجاهل معظم الإسرائيليين لإنسانيتهم، وعدم شعورهم بالندم. تبدأ جذور هذا التجريد من الإنسانية منذ عام 1948، حين سُلب الفلسطينيون أرضهم وممتلكاتهم خلال النكبة، تحت مبرر ديني بأن الأرض وعد إلهي لليهود. منذ ذلك الحين، عاش الإسرائيليون على الأراضي الفلسطينية بلا شعور بالذنب أو الاعتراف بالواقع. ومنذ عقود، واصلت إسرائيل تقويض وجود الفلسطينيين وتجريدهم من حقوقهم.

هذا الواقع يدفع إلى الشعور باليأس من قدرة القانون الدولي على إيقاف هذه الانتهاكات أو محاسبة الفاعلين. المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات توقيف ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق، متهمة إياهما باستخدام التجويع كأداة حرب، وارتكاب جرائم قتل واضطهاد. مع ذلك، لا مساءلة، والدول الغربية تواصل دعم إسرائيل بالسلاح والشرعية السياسية. فما الذي يعنيه ذلك للفلسطينيين؟ هل عليهم الاستسلام لهذا العجز؟

الحقيقة أن القانون الدولي لم يقدّم للفلسطينيين حماية حقيقية قط. منذ تجاهل قرار الأمم المتحدة 194 الذي أقر حق العودة للاجئين الفلسطينيين، توالت خيبات الأمل. لا يعود ذلك لغياب المحاولات، بل لغياب الإرادة والآليات الفاعلة، وتغليب مصالح الأقوياء. مع ذلك، تبقى قوة الفلسطينيين في تمسّكهم بالأرض.

الاعتقاد بأن الفلسطينيين سينسون قضيتهم بعد جيلين لم يكن صحيحا. بعد 77 عامًا، لا يزال الفلسطينيون يتشبثون بأرضهم كما فعلوا في الأيام الأولى. في الضفة الغربية، ورغم التغيرات الجغرافية والاستيطان، ما زلنا نمارس ما نسميه "الصمود": أن نرفض المغادرة أو الاستسلام.

لا يمكن لسكان الضفة التحدث نيابة عن أهل غزة، لكننا نرى فيهم نفس الروح، رغم المعاناة القاسية. بعد الحرب، حين يدخل الصحفيون والمنظمات إلى غزة، ستظهر الحقائق، وستتكشف الشهادات المؤلمة: أصوات النساء والرجال والأطفال، والفنانين والكتاب الذين انتهت حياتهم أو تغيّرت إلى الأبد. حينها، ستلاحق تلك القصص الضمير الإسرائيلي.

ليست القوانين، بل إنسانيتنا هي التي ستحاكم إسرائيل وحلفاءها. في الضفة الغربية أيضًا، تواصل إسرائيل تنفيذ تغييرات جغرافية غير قانونية، مدعومة بميليشيات المستوطنين. هذه الإجراءات تكشف جشعًا توسعيًّا محكومًا بأيديولوجيا الهيمنة.

مثال واضح على هذا العبث يوجد في مدينة الخليل القديمة، حيث يعيش نحو 900 مستوطن متطرف وسط مدينة فلسطينية يسكنها أكثر من 230 ألف نسمة. يحرسهم أكثر من 1000 جندي إسرائيلي. تسهيلات تنقل المستوطنين والجنود خلقت عشرات الحواجز، وحوّلت حياة الفلسطينيين إلى كابوس، وأفرغت المدينة القديمة من سكانها. هل يمكن لهذا الوضع أن يستمر؟

أما غزة، فالسؤال هو: هل ما تبقى من الأرض والبنية التحتية – من زراعة ومياه ومستشفيات ومدارس – يستطيع احتضان الحياة من جديد؟ بإمكان المجتمع الدولي أن يصنع فرقًا، إذا أصرّ على فتح القطاع بعد انتهاء القتال، وضمان دخول المساعدات لإعادة الإعمار وعودة الحياة.

غزة تملك تاريخًا يمتد لأربعة آلاف سنة من السكن المتواصل. محاولة إسرائيل محو الحياة فيها مصيرها الفشل. سيجد الفلسطينيون، سواء بدعم أو بدونه، وسيلة للبقاء.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/12/israel-rafah-plan-crime-international-law-palestinians